فصل: (سورة ص: الآيات 1- 2):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فأخذه سليمان فلبسه، فأقبلت الشياطين والجنّ والإنس والطير والوحوش، وهرب الشيطان الذي خلّف في أهله، فأتى جزيرة في البحر فبعث إليه الشياطين فقالوا: لانقدر عليه، ولكنه يرد علينا في الجزيرة في كل سبعة أيام يومًا، لانقدر عليه حتّى يسكر.
قال: فنزح ماءها وجعل فيها خمرًا. قال: فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر فقال: والله إنك لشراب طيب إلاّ أنك تصبين الحليم وتزيدين الجاهل جهلًا.
ثم رجع حتّى عطش عطشًا شديدًا ثم أتاها فقال: إنك لشراب طيب إلاّ أنك تصبين الحليم وتزيدين الجاهل جهلًا.
قال: ثم شربها حتّى غلبته على عقله، ثم أروه الخاتم فقال: سمع وطاعة.
قال: فأتى به سليمان فأوثقه ثم بعث به إلى جبل، فذكروا أنه جبل الدخان الذي يرون من نفسه، والماء الذي يخرج من الجبل هو بوله.
وقال السدي: اسم ذلك الشيطان اسمذي وقيل خبفيق.
وقال مجاهد: اسمه آصف.
أخبرنا أبو صالح بن أبي الحسن البيهقي الفقيه قال: أخبرنا أبو حاتم التميمي قال: حدثنا أبو الأزهر العبدي قال: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد {وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} قال: شيطانًا يقال له: آصف. قال له سليمان: كيف تفتنون الناس؟
قال: أرني خاتمك أخبرك. فلما أعطاه نبذه آصف في البحر، فساح سليمان فذهب ملكه وقعد آصف على كرسيّه ومنعه الله سبحانه نساء سليمان فلم يقربهن، وأنكر الناس أمر سليمان، وكان سليمان يستطعم فيقول: اتعرفونني؟ أنا سليمان فيكذبونه حتّى أعطته امرأة يومًا حوتًا فبطّ بطنه، فوجد خاتمه في بطنه فرجع إليه ملكه وفرَّ آصف فدخل البحر. وقيل: إن الجسد هو آصف ابن برخيا الصدّيق، وقد مضت القصة.
وقيل: هو الولد الميت الذي غدا في السحاب.
وقيل: هو الولد الناقص الخلق.
وقيل: معنى قوله: {وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} أن سليمان ضرب بعلّة أشرف منها على الموت، حتّى صار جسدًا في المثل بلا روح، وقد وصف المريض المضني بهذه الصفة، فيقال كالجسد المُلقى ولم يبق منه إلاّ جسده وتقدير الآية {وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ جَسَدًا}.
وأما صفة كرسي سليمان:
فرويّ أن سليمان لما ملك بعد أبيه، أمر باتخاذ كرسي ليجلس عليه للقضاء، وأمر بأن يعمل بديعًا مهولًا، بحيث إن لو رآه مبطل أو شاهد زور ارتدع وتهيّب.
قال: فعمل له كرسي من أنياب الفيل، وفصصوه بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد وأنواع الجواهر، وحففوه بأربع نخلات من ذهب شماريخها الياقوت الأحمر والزمرد الأخضر، على رأس نخلتين منها طاووسان من ذهب وعلى رأس الآخرين نسران من ذهب بعضها مقابل لبعض، وقد جعلوا من جنبتي الكرسي أسدين من الذهب، على رأس كل واحد منهما عمود من الزمرد الأخضر، وقد عقدوا على النخلات أشجار كروم من الذهب الأحمر، واتخذوا عناقيدها من الياقوت الأحمر، بحيث أظل عريش الكروم النخل والكرسي.
قال: وكان سليمان إذا أراد صعوده وضع قدميه على الدرجة السفلى، فيستدير الكرسي كله بما فيه دوران الرحى المسرعة، وتنشر تلك النسور والطواويس أجنحتها ويبسط الأسدان أيديهما فيضربان الأرض بأذنابهما، وكذلك يفعل في كل درجة يصعدها سليمان، فإذا إستوى بأعلاه أخذ النسران اللذان على النخلتين تاج سليمان فوضعاه على رأس سليمان، ثم يستدير الكرسي بما فيه ويدور معه النسران والطاووسان والأسدان مائلات برؤسها إلى سليمان ينضحن عليه من أجوافها المسك والعنبر ثم تناولت حمامة من ذهب قائمة على عمود من جوهر من أعمدة الكرسي التوراة، فيفتحها سليمان ويقرأها على الناس ويدعوهم إلى فصل القضاء، ويجلس عظماء بني إسرائيل على كراسي الذهب المفصصة وهي ألف كرسي عن يمينه، ويجيء عظماء الجنّ ويجلسون على كراسي من الفضة عن يساره وهي ألف كرسي حافين جميعًا، به ثم تحف بهم الطير تظلهم، ويتقدم إليه الناس للقضاء، فإذا دعى بالبينات وتقدمت الشهود لإقامة الشهادات، دار الكرسي بما فيه من جميع ماحوله دوران الرحى المسرعة، ويبسط الأسدان أيديهما ويضربان الأرض باذنابهما وينشر النسران والطاووسان أجنحتهما، فيفزع منه الشهود ويدخلهم من ذلك رعب شديد، فلا يشهدون إلاّ بالحق.
{قَالَ رَبِّ اغفر لِي} ذنبي {وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ}.
وقال ابن كيسان: أي لايكون لأحد.
{مِّن بعدي إِنَّكَ أَنتَ الوهاب} المعطي.
قال عطاء بن أبي رباح: يريد هب لي ملكًا لا أُسلبه في باقي عمري كما سلبته في ماضي عمري.
وقال مقاتل بن حيان: كان سليمان ملكًا ولكنه أراد بقوله: {لاينبغي لأحد من بعدي} تسخير الرياح والطير، يدل عليه مابعده.
وقيل: إنما سأل ذلك ليكون آية لنبوته ودلالًا على رسالته ومعجزًا لمن سواه.
وقيل: إنما سأل ذلك ليكون علمًا له على المغفرة وقبول التوبة، حيث أجاب الله سبحانه وتعالى دعاءه ورد إليه ملكه وزاد فيه.
وقال عمر بن عثمان الصدفي: أراد به ملك النفس وقهر الهوى.
يؤيده ما أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمّد بن خالد قال: حدثنا داود بن سليمان قال: حدثنا عبد بن حميد قال:
أخبرنا عبد الله بن يزيد قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد الأفريقي قال: حدثنا سلمان بن عامر الشيباني قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أرأيتم سليمان وما أعطاه الله من ملكه؟ فإنه لم يرفع طرفه إلى السماء تخشعًا لله عز وجل حتّى قبضه الله عزّ وجلّ».
وأخبرنا شعيب بن محمّد قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا هشام عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قد عرض لي الشيطان في مصلاي الليلة كأنه هرّكم هذا، فأخذته فأردت أن أحبسه حتّى أصبح، فذكرت دعوة أخي سليمان {رَبِّ اغفر لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بعدي} فتركته».
ومنه عن روح عن شعبة عن محمّد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن عفريتًا من الجن جعل يتقلب عليَّ البارحة ليقطع عليَّ صلاتي وأن الله عزّ وجلّ أمكنني منه فرعته فلقد هممت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتّى يصبح فتنظرون إليه كلكم، فتذكرت قول سليمان: {رَبِّ اغفر لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بعدي} فردّه الله عزّ وجلّ خاسئًا».
{فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً} ليّنة رطبة {حَيْثُ أَصَابَ} حيث أراد وشاء، بلغة حمير.
تقول العرب: أصاب الصواب وأخطا الجواب، أي أراد الصواب.
قال الشاعر:
أصاب الكلام فلم يستطع ** فأخطأ الجواب لدى المفصل

{والشياطين} أي وسخرنا له الشياطين {كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ} يستخرجون له اللألىء من البحر، وهو أول من استخرج اللؤلؤ من البحر {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصفاد} يعني مشدودين في القيود واحدها صفد {هذا عَطَاؤُنَا فامنن} فأعط، من قوله سبحانه: {وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6].
وتقول العرب: منَّ عليَّ برغيف، أي أعطانيه.
قال الحسن: إن الله عزّ وجلّ لم يعط أحدًا عطية إلاّ جعل فيها حسابًا، إلاّ سليمان فإن الله سبحانه أعطاه عطاءً هنيئًا فقال: {هذا عَطَاؤُنَا فامنن}.
{أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} قال: إن أعطى أجر وإن لم يعط لم يكن عليه تبعة.
قال مقاتل: هو في أمر الشياطين، خذ من شئت منهم في وثاقك لاتبعة عليك فيما تتعاطاه.
{وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى} قربة {وَحُسْنَ مَآبٍ} مصير.
{واذكر عَبْدَنَآ أَيُّوبَ}.
قال مقاتل: كنيته أبو عبد الله.
{إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشيطان بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} بتعب ومشقة وبلاء وضر.
قال مقاتل: بنصب في الجسد وعذاب في المال.
وفيه أربع لغات: {نُصُب} بضمتين وهي قراءة أبي جعفر، و{نَصَب} بفتح النون والصاد وهي قراءة يعقوبُ و{نَصْب} بفتح النون وجزم الصاد وهي رواية هبيرة عن حفص عن عاصم، و{نُصْب} بضم النون وجزم الصاد وهي قراءة الباقين.
واختلفوا في سبب ابتلاء أيوب:
فقال وهب: استعان رجل أيوب على ظلم يدرأه عنه، فلم يعنه فابتلي.
وروى حيان عن الكلبي: أن أيوب كان يغزوا ملكًا من الملوك كافرًا، وكانت مواشي أيوب في ناحية ذلك الملك، فداهنه ولم يغزه فابتلي.
وقال غيرهما: كان أيوب كثير المال فأعجب بماله فابتلى.
{اركض بِرِجْلِكَ} الأرض، أي ادفع وحرك {هذا مُغْتَسَلٌ}.
ثم نبعث له عين أُخرى باردة فقال: هذا {بَارِدٌ وَشَرَابٌ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وذكرى لأُوْلِي الألباب وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} أي حزمة من الحشيش {فاضرب بِّهِ} امرأتك {وَلاَ تَحْنَثْ} في يمينك {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ}. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة ص:
مكية.
وهي ست وثمانون آية، وقيل ثمان وثمانون آية.
نزلت بعد القمر.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[سورة ص: الآيات 1- 2]:

{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2)}.
{ص} على الوقف وهي أكثر القراءة. وقرئ بالكسر والفتح لالتقاء الساكنين، ويجوز أن ينتصب بحذف حرف القسم وإيصال فعله، كقولهم: اللّه لأفعلنّ، كذا بالنصب، أو بإضمار حرف القسم، والفتح في موضع الجرّ، كقولهم: اللّه لأفعلنّ، بالجرّ وامتناع الصرف للتعريف والتأنيث، لأنها بمعنى السورة، وقد صرفها من قرأ ص بالجرّ والتنوين على تأويل الكتاب والتنزيل: وقيل: فيمن كسر هو من المصاداة وهي المعارضة والمعادلة. ومنها الصدى وهو ما يعارض الصوت في الأماكن الخالية من الأجسام الصلبة، ومعناه: ما عارض القرآن بعملك فاعمل بأوامره وانته عن نواهيه. فإن قلت: قوله: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ} كلام ظاهره متنافر غير منتظم، فما وجه انتظامه؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يكون قد ذكر اسم هذا الحرف من حروف المعجم على سبيل التحدّى والتنبيه على الإعجاز كما مرّ في أوّل الكتاب، ثم أتبعه القسم محذوف الجواب لدلالة التحدّى عليه، كأنه قال وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ إنه لكلام معجز. والثاني: أن يكون ص خبر مبتدأ محذوف، على أنها اسم للسورة، كأنه قال: هذه ص، يعنى: هذه السورة التي أعجزت العرب، والقرآن ذى الذكر، كما تقول: هذا حاتم واللّه، تريد: هذا هو المشهور بالسخاء واللّه، وكذلك إذا أقسم بها كأنه قال: أقسمت بص والقرآن ذى الذكر إنه لمعجز، ثم قال: بل الذين كفروا في عزة واستكبار عن الإذعان لذلك والاعتراف بالحق وشقاق للّه ورسوله، وإذا جعلتها مقسما بها وعطفت عليها {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} جاز لك أن تريد بالقرآن التنزيل كله، وأن تريد السورة بعينها. ومعناه: أقسم بالسورة الشريفة والقرآن ذى الذكر، كما تقول: مررت بالرجل الكريم وبالنسمة المباركة، ولا تريد بالنسمة غير الرجل. والذكر: الشرف والشهرة، من قولك: فلان مذكور، وإنه لذكر لك ولقومك. أو الذكرى والموعظة، أو ذكر ما يحتاج إليه في الدين من الشرائع وغيرها، كأقاصيص الأنبياء والوعد والوعيد. والتنكير {في عِزَّةٍ وَشِقاقٍ} للدّلالة على شدّتهما وتفاقمهما.
وقرئ: {في غرّة} أي: في غفلة عما يجب عليهم من النظر واتباع الحق.

.[سورة ص: آية 3]:

{كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3)}.
{كَمْ أَهْلَكْنا} وعيد لذوي العزة والشقاق فَنادَوْا فدعوا واستغاثوا، وعن الحسن.
فنادوا بالتوبة وَلاتَ هي لا المشبهة بليس، زيدت عليها تاء التأنيث كما زيدت على رب، وثم للتوكيد، وتغير بذلك حكمها حيث لم تدخل إلا على الأحيان ولم يبرز إلا أحد مقتضيها: إمّا الاسم وإما الخبر، وامتنع بروزهما جميعا، وهذا مذهب الخليل وسيبويه. وعند الأخفش: أنها لا النافية للجنس زيدت عليها التاء، وخصت بنفي الأحيان. وحِينَ مَناصٍ منصوب بها، كأنك قلت: ولا حين مناص لهم. وعنه: أنّ ما ينتصب بعده بفعل مضمر، أي: ولا أرى حين مناص، ويرتفع بالابتداء: أي ولا حين مناص كائن لهم، وعندهما أنّ النصب على: ولات الحين حين مناص أي وليس حين مناص، والرفع على ولات حين مناص حاصلا لهم.
وقرئ: حين مناص، بالكسر، ومثله قول أبى زبيد الطائي:
طلبوا صلحنا ولات أوان ** فأجبنا أن لات حين بقاء

فإن قلت: ما وجه الكسر في أوان؟ قلت: شبه بإذ في قوله: وأنت إذ صحيح، في أنه زمان قطع منه المضاف إليه وعوض التنوين: لأنّ الأصل: ولات أوان صلح. فإن قلت: فما تقول في حين مناص والمضاف إليه قائم؟ قلت: نزل قطع المضاف إليه من مناص، لأنَّ أصله حين مناصهم منزلة قطعه من حين، لاتحاد المضاف والمضاف إليه، وجعل تنوينه عوضا من الضمير المحذوف، ثم بنى الحين لكونه مضافا إلى غير متمكن. وقرئ: {ولات} بكسر التاء على البناء، كجير. فإن قلت: كيف يوقف على لات؟ قلت: يوقف عليها بالتاء، كما يوقف على الفعل الذي يتصل به تاء التأنيث. وأمّا الكسائي فيقف عليها بالهاء كما يقف على الأسماء المؤنثة.
وأمّا قول أبى عبيد: إنّ التاء داخلة على حين فلا وجه له. واستشهاده بأنّ التاء ملتزقة بحين في الإمام لا متشبث به، فكم وقعت في المصحف أشياء خارجة عن قياس الخط. والمناص: المنجا والفوت. يقال: ناصه ينوصه إذا فاته. واستناص: طلب المناص. قال حارثة بن بدر:
غمر الجراء إذا قصرت عنانه بيدي ** استناص ورام جري المسحل

.[سورة ص: الآيات 4- 5]:

{وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهًا واحِدًا إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (5)}.
{مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} رسول من أنفسهم {وَقالَ الْكافِرُونَ} ولم يقل: وقالوا، إظهارا للغضب عليهم، ودلالة على أنّ هذا القول لا يجسر عليه إلا الكافرون المتوغلون في الكفر المنهمكون في الغىّ الذين قال فيهم {أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا} وهل ترى كفرا أعظم وجهلا أبلغ من أن يسموا من صدّقه اللّه بوحيه كاذبا، ويتعجبوا من التوحيد، وهو الحق الذي لا يصح غيره، ولا يتعجبوا من الشرك وهو الباطل الذي لا وجه لصحته. روى أنّ إسلام عمر رضى اللّه تعالى عنه فرح به المؤمنون فرحا شديدا، وشق على قريش وبلغ منهم، فاجتمع خمسة وعشرون نفسا من صناديدهم ومشوا إلى أبى طالب وقالوا: أنت شيخنا وكبيرنا، وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء، يريدون: الذين دخلوا في الإسلام، وجئناك لتقضى بيننا وبين ابن أخيك، فاستحضر أبو طالب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال: يا ابن أخى، هؤلاء قومك يسألونك السؤال فلا تمل كل الميل على قومك، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «ماذا يسألوننى؟» قالوا ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك، فقال عليه السلام: «أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أمعطىّ أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم؟» فقالوا: نعم وعشرا، أي نعطيكها وعشر كلمات معها، فقال: «قولوا لا إله إلا اللّه» فقاموا وقالوا {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهًا واحِدًا إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ} أي: بليغ في العجب. وقرئ: {عجاب} بالتشديد، كقوله تعالى {مَكْرًا كُبَّارًا} وهو أبلغ من المخفف. ونظيره: كريم وكرام وكرام: وقوله {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهًا واحِدًا} مثل قوله {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثًا} في أن معنى الجعل التصيير في القول على سبيل الدعوى والزعم، كأنه قال: أجعل الجماعة واحدا في قوله، لأنّ ذلك في الفعل محال.